Saturday, October 28, 2006


اكتب من القاهره 1
العنب سيد الموقف

1- منذ وطئت قدمي مطار دبي حاملا تذكرة طيران علي الشركه المصريه الوطنيه ، مصر للطيران و انا اعيش الاجواء المصريه
أغلب الركاب من المصريين ، و بالتالي فالاجواء مليئه بما يتميز به اهل بلدي ، اصوات عاليه متذمره ، مكالمات هاتفيه عالية الصوت تنقل لنا تفاصيل العلاقه بين المتخاطبين ، مع ان الهمس كاف جدا لنقل الصوت الي الطرف الثاني ، عربات محمله بشنط كبيره و ثقيله تؤدي الي مشاحنات بين بعض الركاب و موظفي الشركه عند ميزان الشنط ، لكن اهم ما في الاجواء كان العنب
معرفتي بالموضوع كانت لا تتعدي مشاهدتي العابره لفيديو كليب للفنان الكبير سعد الصغير ، يشدو فيه ممتدحا ا لعنب لانه احمر و شكله ظريف ، يصاحبه في الكليب الست دينا ترقص هي ممتلئه بالبهجه الناتجه عن شغفها بالعنب ، لا بأس ، ما شاهدناه من قبل علي الفيديو كليب كاف لجعلنا نتقبل مثل هذا العمل ، الجديد كان متمثلا في بعض الركاب الذين يحملون هواتف ذات نغمات عنبيه ، و الاغرب انه عندما رن هاتف ما بنغمة اغنية العنب ، فتح هذا شهية بعض الشباب للتباري في تشغيل الاغنيه علي هواتفهم لنستمع لها كاملة ، لفت نظري وجود أغنيه عنبيه شبيهه بصوت مطرب اخر لم اتبين ملامح صوته و لم اعرف اسمه ، اعتبرت الامر كله من قبيل العلم الذي ينفع و الجهل الذي لا يضر ، لكن الامر لم يمر بهذه السهوله ، استمعت الي الاغنيه عدة مرات اجباريه خلال رحلة الطائره فقد تصادف جلوس مجموعة الشباب المهتمين بالامر في الصف الذي ورائي تماما ، تعجبت من شغفهم بهذا الصوت العجيب
في القاهره ، حاصرني العنب حيثما ذهبت ، العنب متسللا من سماعات ميكروباص مجاور في الاشاره ، العنب عند محل الملابس علي ناصية الشارع باعلي صوت ممكن لجذب انتباه الزبائن ليلة العيد ،العنب في اول سوبر ماركت دخلته في القاهره ، العنب في فرح مجاور للمقهي الذي قابلت فيه اصدقائي بالدراسه ، في اول تاكسي ركبته بالقاهره كان العنب في التليفون المحمول الخاص بالسائق ، تجاذبت معه اطراف الحديث لافهم حقيقة ما يجري ، اتهم السائق سعد الصغير بسرقة الاغنيه و نجاحها من صاحبها الاصلي محمد بعرور ، مؤكدا ان الاغنيه اساسا كانت للبلح و لكن نجاحها علي شاشات الفضائيات و في السينما جعل بعرور يعيد تسجيلها بالشكل الذي اطلقه الصغير ، بدأت ملامح قضية العنب تتضح امامي
2- سئمت من تكرار ملاحظتي القديمه و التي تكلمت عنها كثيرا مع كل الناس، كنت اقول لهم ان ملاحظتي الاولي علي مصر عند العوده اليها من أي مكان هي الاحساس بالفوضي ، و الانزعاج من الصوت العالي، و العتمه في مطار القاهره ، احاول ان ادون ملاحظات جديده ، هذه المره الجديد هو لقائي الاول بالتكتك ، هذا الاختراع الاسيوي ، موتوسيكل له مقطوره صغيره يركب فيها راكبين ، اخترعت لان تكلفتها بسيطه علي السائق و لانها تتيح للسياح مشاهده و اندماج اكثر في دول شرق اسيا ، عندما وصلت مصر تحولت الي جزء من نسيج الاحياء العشوائيه ، التكتك بلا ارقام او تراخيص و يتعلق به اسر كامله و اطفال معرضين انفسهم و غيرهم للخطر الداهم
صوره :
هذا باب رزق فلا تغلقه بسيارتك ، اذا كان من حقك ان تركن سيارتك فمن حقي ان اكل عيش ، لافته معلقه علي باب محل في وسط القاهره

Tuesday, October 10, 2006

المركب غرقت يا قبطان

المركب غرقت يا قبطان
غيرت الانترنت في شكل حياة البشر ، من كبيرهم الي صغيرهم ، و لاني واحد من البشر فاعترف بان الانترنت قد اتاحت لي اكثر مما كنت أتخيله من سهولة في الحياه و وفرة في المعلومات ، في هذا السياق و رغم مرور فتره طويله علي حاث غرق العباره المصريه السلام 98 الا ان مستخدمي الانترنت استمروا فترة طويله في مناقشة الموضوع و متابعة اخباره ، رغم ما قامت به وسائل الاعلام ا لمحليه من تعتيم علي الموضوع بعد فترة وجيزه رحمة بمشاعرنا ، منذ فترة وجيزه تلقيت علي بريدي الخاص رسالة تحمل ملفا صوتيا هو تسجيل لما جري في الدقائق الاخيره في كابينة قيادة العباره ، استمعت الي الملف و اعدت الاستماع له عدة مرات محاولا التدقيق في كل كلمه و في كل صوت حتي اصوات خلفية الحوار ، محاولا تصور ما حدث ، و راسما في خيالي صورة الموقف المأساوي ، كانت الاصوات كلها مؤثرة و كان التسجيل كله يهز النفس من الاعماق ، وهو ينقل لنا كلمات و اصوات مئات من البشر يواجهون - و هم يعرفون انهم يواجهون- لحظاتهم الاخيره.
كان الحوار دائرا بين القبطان و مساعديه حول درجة ميل السفينه و كانوا يتكلمون عبر الهاتف مع شخص ما يلومونه علي انه لم يستطع اخراج المياه من قاع السفينه و بالتالي فانها تواصل ميلها المخيف
يبدو انه في اللحظات الاخيره حدث شئ اخر مروع ادي الي ميل السفينه اكثر وبشكل مفاجي فقد توالت اصوات الارتطام و اختلطت اصوات الصراخ واختفي صوت القبطان الذي يبدو انه ادرك انها النهايه ففر هاربا ، و بقي صوت واحد يتردد -و يبدو انه صوت احد المساعدين – بلهجة اسكندرانيه صريحه : المركب غرقت يا قبطان .
ظل هذا الصوت يلاحقني و يتردد في ذهني اياما عدة بعد سماعي لهذا التسجيل الحزين ، و ظللت اتصور ما الذي كان يشعر به هذا الشاب الذي جهر بالحقيقه و سجلها لنا ، ان العوامل التي تؤدي الي غرق سفينه بهذا الحجم هي نفسها التي تؤدي الي سقوط بناء كذلك الذي يطالعنا في صفحات الجرائد من حين لحين ، اقصد انه لايمكن لعامل واحد او اثنين ان يؤديا الي كارثه من هذا الحجم ، لابد ان عمر السفينه الافتراضي قد انتهي و ان اعمال الصيانه منعدمه او صوريه و لابد من فاسد او اكثر يقومون بنهب اشياء من شأنها تسريع قدوم الكارثه و ينتهي الامر دائما بشخص فاشل علي قمة الهرم (هو القبطان في حالتنا هذه ) قبل ان يقود السفينه بهذا الحال و لم يطبق اجراءات السلامه والامن (انا لا اقصد ادانة القبطان في حادث السفينه فقط اصفه بانه فاشل)
خذ عندك مثالا علي هذا حادث قطار الصعيد الشهير او حادث قطاري قليوب او مسرح بني سويف او حتي حادث صفر المونديال
افهم ان يكون هناك فاسدين و ان يكون هناك اهمال او تسيب ما ، لكن ما اراه كارثي و مأساوي هو ان يكون نظام الحياه قائم علي مجموعه هائله من الاخطاء التي تؤدي الي كوارث من هذا النوع احيانا و تمضي الحياه في معظم الاحيان بحسن الحظ او ستر ربنا
وافهم ان يكون هناك فاشلون في كل مجال لكن المؤسف ان يتم تصعيد هؤلاء الي قيادة سفينه او طائره او مؤسسه
علي الشاطئ كان هناك قبطان فاشل آخر يقود مؤسسة الميناء في تعاملها الازمه وفي القاهره كان هناك فاشل ثالث يقود الازمه بمنظور امني بحت ادي الي اعطاء اوامر بضرب اقارب الضحايا
من هنا ، من خارج الوطن نعيش تحت هاجس الخوف علي سفينة الوطن من سلاسل متراكبه من الاخطاء والخطاياو من قبطان فاشل قد يؤدي الي غرقها ذات يوم.